المحكمه الاتحاديه العليا بالعراق.. بين المنظور والمحظور الدستوري…؟

268

بقلم
أ.د.جلال الزبيدي
حقوقي وأستاذ جامعي

القراءه والمراجعه النقديه التي احاول الدخول في جدلياتها القانونيه والقضائية تشكل هاجسآ وطنيآ أستثنائيآ في ظل احتدام الجدل حاليآ عن (الأهلية الدستوريه) للمحكمه الإتحاديه العليا خاصة في ظل الرهانات السياسية والبرلمانية عن (الانتخابات النيابيه المبكره) ..؟والسؤال المثير للجدل وللمحاججات والمحاججات المضاده.. هل المحكمه الاتحاديه العليا كانت جديره دستوريا في مباشرة وظيفتها القضائيه والرقابيه ليس من ناحية نصابها القانوني فقط فهذه مسألة مفروغ منها.. بل حول مسائل أكثر خطوره الا وهي هل حقا أن هذه المحكمه الاتحاديه لديها الاهليه والولايه الدستوريه وذلك بعد الغاء قانون ادارة الدوله العراقيه للمرحله الانتقاليه(الدستور المؤقت) المؤسس والمنتج لقانونها الاساسي رقم 30/2005.. ام هي اقرب لمحكمه يقال انها دستوريه ولكن واقعآ انها محكمه تعمل بدون غطاء
دستوري..؟ ولهذا فملاحظاتي تدور في أربع محاور وذلك على النحو أدناه :

أولا : أن أحد أهم مسلمات الفقه الدستوري وبديهياته تؤكد ان كل قاعده قانونيه لايمكن أن تنشأ وتصبح سارية المفعول الا بوجود قاعده وسند دستوري لها يعمل على ولادتها وصيرورتها ويمنحها القيمه والقوه الالزاميه الأمره لنشاطها.. ومتى ماجرى إلغاء وسقوط هذا السند الدستوري تسقط تلقائيآ قاعدته القانونيه لغياب السند الدستوري المؤسس لوجودها..وهذه بديهيات يعرفها حتى طلبة القانون..؟

ثانيآ : الماده 143من الدستور العراقي النافذ2005 تحدثت بوضوح لا لبس فيه عن إلغاء قانون ادارة الدوله وبضمنه الماده 44 التي استند عليها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور اياد علاوي في إصدار قانون المحكمه الاتحاديه رقم30 لسنة 2005 حيث قالت(( يلغى قانون أدارة الدوله للمرحلة الانتقاليه وملحقه عند قيام الحكومه العراقيه…..)) وهنا أعود للتذكير مرة ثانيه لما ذكرته أعلاه.. بأنه لايجوز ان تستمر اي قاعده قانونيه بالنفاذ في ظل غياب القاعده الدستوريه المنتجه لها..؟ وهنا نصل لحقيقه دستوريه لا مفر منها إلا وهي عدم وجود قاعده دستوريه حاليآ يستند عليها قانون المحكمه الاتحاديه رقم30/2005…؟

ثالثآ : محاولة البعض من عرابي المحكمه المحكمه الاتحاديه ومطبليها التشبث بالماده 130َ من الدستور العراقي والتي تقول(( تبقى (التشريعات النافذه) معمولآ بها مالم تعدل أو تلغى وفقآ لأحكام هذا الدستور)) وهنا لا يمكننا أعتبار قانون المحكمه الاتحاديه من (التشريعات النافذه)لأنه تم ألغائه (أحكام هذا الدستور) وذلك بإلغاء قانون أدارة الدولة للمرحله الانتقاليه وفق أحكام الماده 143من الدستور النافذ..؟ كما أن الماده130 التي يتمسك بها البعض ماهي إلا دليل على ضعف الحجه الدستوريه لديهم.. لأن الماده130 تتحدث عن التشريعات القانونيه الدائمه وليس التشريعات القانونيه المؤقته والانتقاليه والتي ساتناولها بالمحور الرابع..

رابعآ : وهذه هي المسألة الخطيره والمثيره على وجه التحديد والتي اضعها أمام المثقفين ورجال القانون والمحامين والقضاة وامام المجلس الأعلى للقضاء ورجال الدوله العراقيه.. حيث أن قانون ادارة الدوله المؤقت هو بمثابة (دستور مؤقت) وكما يقول فقه القانون الدستوري أن القواعد الدستوريه المؤقته والانتقاليه تؤسس وتنتج قواعد قانونيه مؤقته وانتقاليه فقط ولا تؤسس لقواعد قانونيه دائمه..؟ وهذه (القواعد القانونيه المؤقته) تنتهي وتزول بأنتهاء والغاء (القواعد الدستوريه الموقته) وهذه واحده من أهم مسلمات الفقه الدستوري المعاصر والتي لا يمكن القفز عليها..؟ وهنا نقول انه لايجوز قانونيآ التشبث أو التمسك بقانون المحكمه الاتحادية رقم 30/2005 كونه (قانون مؤقت) لأنه صدر عن (دستور مؤقت) أعني به قانون ادارة الدوله المؤقت..؟
وأعتقد أن رجال القانون يعرفون بداهة أن القوانين المؤقته والانتقاليه لها مدى زمني ومساحة زمنيه محدوده لنفاذها ولا تحمل صفة الديمومه مثل القوانين التي تصدر عن دساتير دائمه؟ لكن مع ذلك وخلافآ لصحيح الفقه الدستوري تم اسباغ الديمومه جزافآ على قانون المحكمه الاتحاديه والصادر عن دستور مؤقت وتعرض للإلغاء وبالضد من كل القرائن الدستوريه المعاصره..!!
وعلى ضوء ماتقدم أصل لاستنتاج بأن المحكمه الاتحاديه لا تمتلك الصفه والاهليه الدستوريه لممارسة اختصاصها الدستوري والرقابي منذ 2005 ولحد الان.. وانا على يقين أن العديد من الكتاب ورجال القانون والمحامين والقضاة لديهم قناعه داخليآ بهذه المسوغات الدستوريه لكن الاعتراف بها رسميآ سيشكل فضيحه وكارثه دستوريه من الصعب تداركها خاصة بالنسبه لعشرات القرارات والأحكام والفتاوى الباطله التي أصدرها القاضي مدحت المحمود رئيس المحكمه الاتحاديه والتي أحدثت شرخآ وارباكآ في النسيج السياسي والقانوني بالعراق…؟

المصدر